الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **
الجزء الثاني
حضر اسمعيل بك في تجريدة الى مصر فركب بمفرده وهو ملثم بمنديل وحضر عند حسن باشا وقابله وهو أول اجتماعه به وجلس معه مقدار درجتين لا غير واستأذنه في القيام فخلع عليه فروة سمور وقام وذهب الى بيت مملوكه علي بك جركس وهو بيت أيوب بك الصغير الذي في الحبانية وكان السبب في حضوره على هذه الصورة أنه في يوم الخميس ثالث المحرم التقوا مع الأمراء القبليين واتفقوا معهم عند المنشية فكان بينهم وقعة عظيمة وقتل من الفريقين جملة كبيرة وأبلى فيها المصريون البحرية والقبلية مع بعضهم وتنحت عنهم العساكر العثمانية ناحية وهجمت القبالي وألقوا بأنفسهم في نار الحرب وطلب كل غريم غريمه ثم اندفعت العثمانية مع البحرية وظهر من شجاعة عابدي باشا ما تحدث به الفريقان في شجاعته وأصيب اسمعيل بك برشة رصاص دخلت في فمه وطلعت من خده فولى منهزمًا وألقى نفسه في البحر وركب في قنجة وحضر الى مصر على الفور ولم يدر ماذا جرى بعده فلما حضر على هذه الصورة وأشيع وقوع الكسرة والهزيمة على التجريدة اضطربت الأقاويل واختلفت الروايات وكثرت الأكاذيب وارتج العثمانيون وأرسل حسن باشا الرسل لإحضار العساكر التي بالإسكندرية وكذلك أرسل الى بلاد الروم وفي يوم السبت ثاني عشره حضر حسن بك الى حسن باشا وقابله وقد أصيب بسيف على يده فخلع عليه فروة ثم ذهب الى بيته القديم وهو بيت الداودية وكذلك حضر بقية الأمراء الصناجق وأصيب قاسم بك بضربة جرحت أنفه وكذلك حضر عابدي باشا وطلع الى قصر العيني وأقام به. وفيه حضر ططري وعلى يده مرسوم بعزل محمد باشا عن ولاية مصر وولاية عابدي باشا مكانه وأن محمد باشا يتوجه الى ولاية ديار بكر عوضًا عن عابدي باشا فشرع عابدي باشا في نقل عزاله الى بولاق فتحدث الناس أن ذلك من فعل حسن باشا لأن بينهما أمورًا باطنية وفي يوم الاثنين عمل حسن باشا ديوانًا في بيته اجتمع فيه جميع الأمراء والصناجق والمشايخ وألبس اسمعيل بك خلعة وجعله شيخ البلد وكبيرها وألبس حسن بك خلعة وقلده أمير الحاج فخرجوا من مجلسه وهم كاظمون لغيظهم هذا واسمعيل بك متململ من جرحه والسيد عثمان الحمامي يعالجه وأخرج من عنقه ست عشرة زردة من زرد الزرخ فإن الرصاص لما أصابه منعه الزرخ من الغوص في الجسد فغاص نفس الزرد فأخرجه السيد عثمان بالآلة واحدة بعد وفيه حضر الى اسمعيل بك رجل بدوي وأخبر أن الجماعة القبليين زحفوا الى بحري ووصلت أوائلهم الى بني سويف وأخبر أنه مات منهم مصطفى بك الداودية ومصطفى بك السلحدار وعلي آغا خازندار مراد بك سابقًا ونحو خمسة عشر أميرًا من الكشاف وأن نفوسهم قويت على الحرب. وفي يوم الثلاثاء حضر اسمعيل أغا كمشيش وكان ممن تخلف في الأسر عند القبليين فأفرجوا عنه وأرسلوا معه مكاتبة يذكرون فيها طلب الصلح وتوبتهم السابقة واستعدادهم للحرب إن لم يجابوا في ذلك. وفي يوم الأربعاء نزل محمد باشا من القلعة وذهب الى بولاق. وفي يوم الخميس نودي على النفر والالضاشات والأجناد والمماليك بأن يتبع كل شخص متبوعه وبابه ومن وجد بعد ثلاثة أيام بطالًا ولم يكن معه ورقة يستحق العقوبة وكذلك حضور الغائبين بالأرياف. وفيه أخذ أحمد القبطان المعروف بحمامجي أوغلي المراكب الرومية التي بقيت في النيل وجملة نقاير وصعد بهم الى ناحية دير الطين قريبًا من التبين وشرعوا في عمل متاريس وحفر خنادق هناك ونقلوا جملة مدافع أيضًا وكان أشيع طلوع عابدي باشا الى القلعة في ذلك اليوم فلم يطلع وحضر عند حسن باشا وتكلم معه كلامًا كثيرًا وقال: كيف أطلع وأتسلطن في هذا الوقت والأعداء زاحفون على البلاد وأولاد أخي قتلوا في حربهم ولا أطلع حتى آخذ بثأرهم أو أموت ثم قام من عنده ورجع الى القصر العيني. وفيه سافر عمر كاشف الشعراوي لملاقاة الحجاج الى القلزم وحضرت مكاتيب الجبل على العادة القديمة وأخبروا بالأمن والراحة. وفي يوم الجمعة خرج رضوان بك بلفيا وسليمان الشابوري وعبد الرحمن بك عثمان وبرزوا خيامهم ناحية البساتين. وفيه عمل حسن باشا ديوانًا وخلع على ثلاثة أشخاص من أمراء حسن بك الجداوي وقلدهم صناجق وهم شاهين وعلي وعثمان. وفيه حضر الى مصر ذو الفقار الخشاب كاشف الفيوم المعروف بأبي سعدة. وفي يوم السبت خرج غالب الأمراء ناحية البساتين وورد الخبر عن القبليين أنهم لم يزالوا مقيمين في ناحية بني سويف. وفيه أنفق حسن باشا ثلث النفقة على العسكر فأعطى اسمعيل بك عشرين ألف دينار وحسن بك خمسة عشر ألفًا ولكل صنجق عشرة آلاف ولكل طائفة وجاق أربعة آلاف فاستقل وفيه طلب حسن باشا دراهم سلفة من التجار فوزعوها على أفرادهم فحصل لفقرائهم الضرر وهرب أكثرهم وأغلقوا حوانيتهم وحواصلهم فصاروا يسمرونها وكذلك البيوت وطلبوا أيضًا الخيول والبغال والحمير وكبسوا البيوت والأماكن لاستخراجها وعزت الخيول جدًا وغلت أثمانها. وفي يوم الاثنين قبض حسن باشا على اسمعيل آغا كمشيش المتقدم ذكره وأمر بقتله وأخرجوه من بين يديه وعلى رأسه دفية فشفع فيه الوجاقلية فعفا عنه من القتل وسجنوه وسبب ذلك أنه أحضر صحبته عدة مكاتيب سرًا خطابًا لبعض أنفار فظهروا على ذلك فوقع له ما وقع. وفيه عمل حسن باشا ديوانًا عظيمًا جمع فيه الأمراء والأعيان وقرأوا مكاتبات أرسلها القبليون يطلبون الصلح والأمان ويذكرون العابدي باشا ما نهب له في المعركة وأن يرسل قائمة بذلك ويردون له ما ضاع بتمامه فقال عابدي باشا لحسن بك الجداوي: ما تقول في هذا الكلام قال: أقول لا نأخذه إلا بالسيف كما أخذوه منا بالسيف وانفض الديوان ووقع الاتفاق على أن يكتبوا لهم جوابًا عن رسالتهم ملخصه إن كان قصدهم الصلح والأمان وقبول التوبة فإنهم يجابون الى ذلك ويحضر ابراهيم بك ومراد بك ويأخذ لهم حضرة القبطان أمانًا شافيًا من مولانا السلطان أينما يريدون في غير الإقليم المصري يتعيشون فيها بعيالهم وأولادهم وما شاؤوا من مماليكهم وأتباعهم وأما بقية الأمراء فإن شاؤوا حضروا ي حصر وأقاموا بها وكانوا من جملة عسكر السلطان وإن شاؤوا عينوا لهم أماكن من الجهات القبلية يقيمون بها وإن أبوا ذلك فليستعدوا للحرب والقتال. وفي يوم الثلاثاء قبض حسن باشا على عمر كاشف الذي سكنه بالشيخ الظلام وعلي محمد آغا البارودي وأمر بحبسهما عند اسمعيل بك وسبب ذلك المكاتبات التي تقدم ذكرها مع اسمعيل آغا كمشيش. وفي يوم الأربعاء سافر محمد أفندي مكتوبجي حسن باشا بالمكاتبة الى القبليين. وفي يوم الخميس نزل الآغا والجاويشية ونادوا على جميع الالضاشات بالذهاب الى بولاق ليسافروا في المراكب صحبة الوجاقلية وكل من بات في بيته استحق العقوبة وطاف الآغا عليهم يخرجهم من أماكنهم ويقف على الخانات ويسأل على من بها منهم ويأمرهم بالخروج فأغلق الناس حوانيتهم وبطل سوق خان الخليلي في ذلك اليوم وخرج منهم جماعة ذهبوا الى بولاق ومنهم من طلع الى الأبواب حسب الأمر وحصل لفقرائهم كرب شديد لكونهم لم يأخذوا نفقة بل رسموا لهم أنهم يأكلون على سماط بلكهم ويعلقون على دوابهم وطعامهم البقسماط والأرز والعدس لا غير وذلك لعزة اللحم وعدم وجوده فإن اللحم الضاني بالمدينة بثلاثة عشر نصف فضة إن وجد والجاموسي بثمانية أنصاف وزاد سعر الغلة بعد الانحطاط وكذلك السمن والزيت. وفي يوم الأحد سابع عشرينه حضر محمد أفندي المكتوبجي من عند الجماعة وصحبته علي آغا مستحفظان بجواب الرسالة السابق ذكرها فأخبر أنهم ممتثلون لجميع ما يؤمرون به ما عدا السفر الى غير مصر فإن فراق الوطن صعب ويذكر عنهم أنه لم يشق عليهم شيء أعظم من تمكن أخضامهم من البلاد أعني اسمعيل بك وحسن بك وذلك هو السبب الحامل لهم على القدوم والمحاربة فإن لم يقبل منهم ذلك فالقصد أن يبرز لحربهم أخصامهم دون العساكر العثمانية فتكون الغلبة لنا أو علينا فإن كانت علينا وظفروا بنا استحقوا الإمارة دوننا وإن كانت لنا وظفرنا بهم فالأمر لكم بعد ذلك إن شئتم قبلتم توبتنا ورددتم لنا مناصبنا وشرطتم علينا ظروطكم فقمنا بها قيامًا لا نتحول عنه أبدًا ما بقينا وإن شئتم وجهتمونا الى أي جهة امتثلنا ذلك فلما ذكرا ذلك لحسن باشا قال لعلي آغا: أنا ما جئت الى مصر لأعمل لهم على قدر عقولهم وإنما السلطان أمرني بما أمرت به فإن كانوا مطيعين فليمتثلوا الأمر وإلا فسيلقون وبال عصيانهم وكتب لعلي آغا جوابًا بذلك وخلع عليه فروة سمور وسافر من وقته ورجع الى أصحابه وصحبته شخص من طرف الباشا ولما ذهب إليهم محمد أفندي المكتوبجي أنعموا واستهل شهر صفر الخير أوله يوم الخميس فيه حضرت خزينة حسن باشا من ثغر إسكندرية فدفع باقي النفقة للعسكر والأمراء. وفيه وصل الخبر أن الأمراء القبالي زحفوا الى بحري ووصلت أوائلهم الى بر الجيزة وآخرهم بالرقق وفردوا الكلف على بلاد الجيزة. وفيه طلب اسمعيل بك دراهم سلفة من التجار فاعتذروا بقلة الموجود بأيديهم وأغنياؤهم جلوا الى الحجاز ولم يدفعوا له شيئًا وادعى على تجار البن بمبلغ دراهم باقي حساب من مدته السابقة فصالحوه عنها بأربعة آلاف دينار. وفي يوم الجمعة نودي على المحمدية المقيمين بمصر أنهم يذهبون الى اسمعيل بك ويقابلونه سواء كان جنديًا أو أميرًا أو مملوكًا ومن تأخر استحق العقوبة وقبض على أنفار منهم وسجنوا بالقلعة وختم على دورهم من جملتهم جعفر كاشف الساكن عند بيت القاضي من ناحية بين القصرين. وفي تلك الليلة أعني ليلة الأحد وقعت حادثة لشخص من الأجناد يقال له اسمعيل كاشف أبو الشراميط بيته في عطفة بخط الخيمية قتله مماليكه وسبب ذلك على ما سمعنا تقصيره في حقهم وفي تصرفه عدة حصص جارية في التزامه فكتب تقاسيطها بتمامها باسم زوجته ولم يكتب لهم شيئًا من ذلك وكان جبارًا ظالمًا معدودًا في جملة كشاف مراد بك فلما حصلت المناداة على المحمدية الى اسمعيل بك وقابله فطرده وأمره بلزوم بيته وأن لا يخرج منه فذهب الى بيته وأرسل الى اسمعيل بك حصانين بعددهما أحدهما مركوبه والثاني لأحد مماليكه. وأرسل معهما درعين على سبيل التقدمة والهدية ليستميل خاطره وكان مملوكه صاحب الحصان غائبًا في شغل فلما حضر لم يجد الجواد فسأل عنه فأخبره خشداشه بصورة الحال فدخل الى سيده وسأله فنهره وشتمه فخرج مقهورًا وجلس يتحدث مع رفيقه فقالوا لبعضهم هذا الرجل سيدنا لا نرى منه إلا الأذى ولا نرى منه إحسانًا ولا حلاوة لسان وكذلك الحصص كتبها لزوجته ولم يفعل معنا خيرًا عاجلًا ولا آجلًا وحملهم الغيظ على أنهم دخلوا عليه بعد العشاء وقتلوه فصرخت زوجته من أعلى ونزلت إليهم فقتلوها أيضًا هي وجاريتها فسمعت الجيران وكثر العائط وحضر الوالي فوقف المملوكان وضربا عليه بنادق الرصاص ونقبا بيوت الجيران ونطا منهم فلم يزل حتى قبض عليهما وقتلهما على رأس العطفة. وأصبح الخبر شائعًا بين الناس بذلك. وفي يوم الأحد المذكور حضر نجاب الحج وأخبر أن العرب وقفت للحجاج في طريق المدينة وحاربوهم سبعة أيام وانجرح أمير الحاج وقتل غالب أتباعه وخازنداره ومن الحجاج نحو وفي يوم الاثنين شق الآغا وأمامه المنادي يقول: إن ابراهيم بك ومراد بك مطرودا السلطان ومن كان مختفيًا أو غائبًا وأراد الظهور أو الحضور فليظهر أو يحضر وعليه الأمان ولا بأس عليه ومن خالف فلا يلومن إلا نفسه. وفيه انتقل عساكر القليونجية وعدوا الى البر الغربي ونصبوا هناك متاريس وأما الأمراء القبليون فإنهم أخرجوا أثقالهم من المراكب وطلعوها بأجمعها وتركوا المراكب ذهبت الى حال سبيلها واحازوا جميعًا عند الأهرام. وفي يوم الثلاثاء نودي على جميع الألضاشات بالخروج الى الوطاق وكذلك المقيمون بالقلعة فتكدر الناس لذلك واختفوا في الدور ولبس كثير منهم ملابس الفقهاء والمجاورين وسبب ذلك عدم قدرتهم على الخروج من غير مصرف فإذا خرج فقير الحال لا يجد ما يأكله ولا ما ينفقه عياله في غيبته ولا يفيده إلا مقاساة الجوع والبرد والغربة والمشقة. وفي يوم الأحد حادي عشره نزل الحجاج ودخلوا مصر على حين غفلة وهم في أسوأ حال من العري والجوع ونهبت جميع أحمال أمير الحاج وأحمال التجار وجمالهم وأثقالهم وأمتعتهم وأسر العرب جميع النساء بالأحمال وكان أمرًا شنيعًا جدًا ثم إن الحجاج استغاثوا بأحمد باشا الجزار أمير الحاج الشامي فتكلم مع العرب في أمر النساء فأحضروهن عرايا ليس عليهن إلا القمصان وأجلسوهن جميعًا في مكان وخرجت الناس أفواجًا فكل من وجد امرأته أو أخته أو أمه أو بنته وعرفها اشتراها ممن هي في أسره وصارت المرأة من نساء العرب تسوق الأربعة من الجمال والخمسة بأحمالها فلا تجد مانعًا وسبب ذلك كله رعونة أمير الحاج فإنه لما أراد أن يتوجه بالحجاج الى المدينة أرسل الى العرب فحضر إليه جماعة من أكابرهم فدفع لهم عوائد سنتين وقسط البواقي على السنين المستقبلة بموجب الفرمان وحجز عنده أربعة أشخاص رهائن فبدا له أن كواهم بالنار في وجوههم فبلغ ذلك أصحابهم فقعدوا للحجاج في الطريق فبلغ أمير الحاج ذلك فذهب من طريق أخرى فوجدهم رابطين فيها أيضًا فقاتلوا قتالًا هينًا ففر هاربًا وترك الحجاج والعرب فنهبوا حملته وقتلوا مماليكه ولم يبق معه إلا القليل فهرب بمن بقي معه واختفى عن الحجاج ثلاثة أيام ولم يره أحد وفعلت العرب في الحجاج ما فعلوا وأخذوا ما أخذوه فلم ينج منهم إلا من طال عمره وسلم نفسه أو افتداها الى غير ذلك وأخذوا المحمل أيضًا ولم يردوه. وفي يوم الاثنين ثاني عشره هجمت القبليون على المتاريس وأرادوا أن يملكوها في غفلة آخر الليل لعلمهم أن الأمراء والباشا ذهبوا الى مصر واشتغلوا بالحجاج وكان حسن باشا ذلك اليوم لما بلغه حضور الحجاج ركب من فوره وذهب الى العادلية فقابل أمير الحاج ورجع من ليلته الى الوطاق فلما هجموا على المتاريس كان المتترسون مستيقظين فضربوا عليهم المدافع من البر والبحر من الفجر الى شروق الشمس فرجعوا الى مكانهم من غير طائل ثم هجموا أيضًا يوم الثلاثاء بعد الظهر فضربوا عليهم ورجعوا. وفي يوم الأربعاء ركب الأمراء القبليون وحملوا أحمالهم وصعدوا الى دهشور وجلسوا هناك وحضر منهم جماعة من الأجناد بأمان وانضموا الى البحريين. وفي أواخره أمر حسن باشا بمحاسبة محمد باشا المعزول فذهب إليه أرباب الخدم والعكاكيز واختيارية الوجاقات والأفندية وذهبوا إليه ببولاق وتحاسبوا معه ودققوا عليه في الحساب فطلع عليه ألف ومائتان وخمسة وعشرون كيسًا فطلب أن يخصم منها باقي عوائده التي بذمم الأمراء وغيرهم فعرفوا حسن باشا عن ذلك فلم يقبل وقال: إن كان له شيء عند أحد يأخذه منه ولابد من إحضار الدراهم التي طلعت عليه فإني محتاج الى ذلك في المصاريف اللازمة للعسكر فشددوا عليه في الطلب فضاق خناقه واعتذر وبكي وكتب على نفسه تمسكًا بذلك واستوحشا من بعضهما فسعى فيض الله أفندي الرئيس بينهما في إزالة ذلك ثم ذهب محمد باشا الى حسن باشا واجتمع معه في قصر الآثار. وفيه حضرت مكاتبة من القبالي يطلبون الأمان وأن يعينوا لهم أماكن في الجهة القبلية يقيمون بها ويعيشون هناك فأجيبوا الى ذلك ويختاروا مكانًا يريدونه بشرط أن يكونوا جماعة قليلة ويحضر باقي الأمراء الى مصر بالأمان فلم يرضوا بالافتراق ولم يجابوا إلا بمثل الجواب الأول واستقروا ناحية بني سويف ورجعت عنهم عرب الهنادي وفارقوهم. واستهل ربيع الأول بيوم الجمعة فيه حضر ططري من الدولة وعلى يده مثال لحسن باشا بأن يقيم بمصر ولا يخرج مع العساكر بل يستمر محافظًا في المدينة فتحقق الناس إقامته وعدم سفره. وفي شرع حسن باشا في عمل شر كفلك فشرعوا في عمله على ساحل بولاق تجاه الديوان وهو عبارة عن متريز مصنوع من أخشاب ممتدة على مقصات من خشب وهي قطع مفصلات يجمعها أغربة من حديد وعلى تلك المدادات عدة حراب حديد مستمرة عليها محددة الأطراف وبين كل مقصين سفل الأخشاب الممتدة مدفع موضوع على شبه بسطة من الخشب ومساحة ذلك نحو أربعمائة وخمسين ذراعًا وهو يوضع على هيئات مختلفة مربعًا ومدورًا والعسكر من داخله متحصنين به وإذا هجمت عليه الخيول رشقت بها تلك الحرب. وفي يوم الاثنين رابعه ركبت طوائف العسكر والوجاقات ومروا بنظامهم من تحت قصر الآثار وحسن باشا ينظرهم فأعجبه نظامهم وترتيبهم وحسن زيهم ثم تتابعوا في التعدية. وفي ليلة الخميس رابع عشره كسف جرم القمر جميعه وكان ابتداؤه من رابع ساعة الى ثامن ساعة من الليل. وفي منتصفه حضرت عساكر من الأضات مثل قبرس وقرمان وغير ذلك وجاء الخبر عن الأمراء القبالي أنهم وصلوا الى أسيوط وتخلف عنهم جملة من المماليك والأتباع في نواحي المنية وغيرها فمنهم من حضر الى مصر ومنهم من اختفى في البلاد. وفيه اشتكت الناس من غلاء الأسعار وتكلم الشيخ العروسي مع حسن باشا بسبب ذلك وقال له: في زمن العصاة كان الأمراء ينهبون وأيخذون الأشياء من غير ثمن والحمد لله هذا الأمر ارتفع من مصر بوجودكم وما عرفنا موجب الغلاء أي شيء فقال: أنا لا أعرف اصطلاح بلادكم وتشاور مع الاختيارية في شأن ذلك فوقع الاتفاق على عمل جمعية في باب الينكجرية وإحضار الآغا والمحتسب والمعلمين ويعملون تسعيرة وينادون بها ومن خالف أو احتكر شيئًا قتل فلما كان يوم السبت سادس عشره اجتمعوا في باب مستحفظان وحضر الشيخ العروسي أيضًا واتفقوا على تسعيرة في الخبز واللحم والسمن وغير ذلك وركب الآغا وبجنبه المحتسب ونادوا في الأسواق فجعلوا اللحم الضاني بثمانية أنصاف وكان بعشرة والجاموسي ستة بعد سبعة والسمن المسلي بثمانية عشر والزبد بأربعة عشر والخبز عشرة آواق بنصف فضة وهكذا فعزت الأشياء وقل وجود اللحم وإذا وجد كان في غاية الرداء مع ما فيه من العظم والكبد والفشة والكرشة. وفي أواخره وصل الخبر بأن رضوا بك قرابة علي بك الكبير المنافق وعلي بك الملط وعثمان بك وجماعة علوية حضروا الى عرضي التجريدة وأخذوا الأمان من اسمعيل بك وعابدي باشا وأنهم قادمون الى مصر وأن القبالي استقروا بوادي طحطا مكانهم الأول الذي قاتلوا فيه. شهر ربيع الثاني في يوم الخميس خامسه وصل المذكورون الى مصر وقابلوا حسن باشا وتوجهوا الى بيوتهم. وفي يوم الأحد ثامنه ضربوا مدافع كثيرة وقت الضحى وكان أشيع في أمسه أن التجريدة نصرت وقتل من القبالي أناس كثيرة فلما سمعت الناس تلك المدافع ظنوا تحقيق ذلك وكثرت الأكاذيب والأقاويل ثم تبين أن لا شيء وأنها بسبب رجوع بعض مراكب رومية من ناحية الفشن بسبب قلة ماء النيل ومن عادتهم أنهم إذا وصلوا للمرساة ضربوا مدافع فيجابوا بمثلها وفي منتصفه حضر محمد كتخدا الأشقر بسبب تجهيز ذخيرة ولوازم ومصريف فهيئت وأرسلت وكذلك قبل ذلك مرارًا كثيرة وأخبر أن التجريدة وصلت الى دجرجا وأن القبالي ارتحلوا منها وصعدوا الى فوق وتباعدوا عن البلد نحو ست ساعات ثم انقطعت الأخبار. واستهل شهر جمادى الأولى فيه زاد قلق حسن باشا بسبب تأخر الجوابات وطول المدة. وفيه عين حسن باشا علي محمد باشا برشيد وشدد عليه في طلب الدراهم وضايقوه حتى باع أمتعته وحوايجه وغلق ما عليه وتوفيت زوجته فحزن عليها حزنًا شديدًا مع ما هو فيه من الكرب ولم يفده من فعائله وهمته التي فعلها بمصر قدوم حسن باشا شيء وجازاه بعد ذلك بأقبح المجازاة فإنه لولا أفاعيله وتمويهاته وأكاذيبه ما تمكن حسن باشا من دخول مصر فإنه كان يعظم الأمر على الأمراء المصريين ويهول تهويلات كثيرة عليهم وعلى المشايخ واختيارية الوجاقات ويقول إياكم والعناد وإياكم أن توقعوا حربًا فإنكم تخربون بلادكم وتكونون سببًا في هلاك أهلها فإنه بلغني أنه تعين مع حسن باشا كذا كذا ألفًا من الجنس الفلاني وكذا كذا ألفًا من جنس العسكر الفلاني وأنهم متأخرون في الحضور عنه تحت الاحتياج وكذلك في عساكر البر الواصلة من الجهة الشامية ومعهم ثمانون ألف ثور مائة ألف جاموس برسم جر المدافع وفي المدافع ما يصحبه خمسون ثورًا ونحو ذلك حتى أدخل عليهم الوهم وظنوا صدقه وانحلت عرا الناس عنهم وخصوصًا بما مناهم به من إقامة العدل ومنع الظلم والجور وغير ذلك حتى جذب قلوب العالم وتحولوا عن الأمراء وتمنوا زوالهم في أسرع وقت وهيج الناس وأثارهم قبل وصول حسن باشا وملك القلعة ومهد له الأمور فجزاه بعد تمكنه بالخذلان والعزل والحساب والتدقيق وغير ذلك. وفي يوم الأربعاء ثالثه ورد نجاب وصحبته مكتوب من عابدي باشا الى حسن باشا وأخبر بوقوع الحرب بين الفريقين في يوم الجمعة ثامن عشرين ربيع الآخر عند الأمير ضرار وكانت الهزيمة على القبالي ولكن بعد أن كسروا الجردة مرتين وهجموا على شركفلك فضربوا عليهم من داخله بالمدافع والبنادق وقتل لاجين بك عند شركفلك وقتل الكثير من عرب الهنادي وقبض على كبيرهم أسيرًا ومات من المصاحبين للعسكر ذو الفقار الخشاب وجماعة من الوجاقلية منهم علي جربجي المشهدي وكانت الحرب بينهم نحو ست ساعات وكانت وقعة عظيمة وقتل من الفريقين ما لا يحصى وكان حضور هذا النجاب على الفور من غير تحقيق فلما ورد ذلك سر الباشا سرورًا كثيرًا وأمر بعمل شنك فضربوا مدافع كثيرة من قصر العيني والقلعة وضربوا النوبة السلطانية في برج القلعة وكذلك نوبة حسن باشا تحت القصر وأرسل المبشرين الى الأعيان كالشيخ البكري والشيخ السادات وأكابر الوجاقات وحضروا جميعًا للتهنئة. وفي سادسه حضرت عدة مكاتبات من أمراء التجريدة فأخبروا فيها بتلك الواقعة وأن القبالي صعدوا بعد الهزيمة الى عقبة الهو على جرائد الخيل فلم يصعدوا خلفهم لصعوبة المسلك على الأجمال والأثقال وأنهم منتظرون حضور مراكبهم وما فيها من الذخيرة فيحملوا الأحمال ويسيرون بأجمعهم خلفهم من الطريق المستقيم التي توصل الى خلف العقبة وأخبروا أيضًا أنهم استولوا على حملاتهم ومتاعهم حتى بيع الجمل وعليه النقاقير بخمسة ريال ونحو ذلك. وقوع الموت الذريع في الأبقار حتى صارت تتساقط في الطرقات. ومات لابن بسيوني غازي بناحية سنديون خاصة مائة وستون ثورًا وقس على ذلك. وفي عاشره طلب الباشا حوضًا ليعمله حنفية فأخبره الحاضرون وعرفوه بالحوض الذي تحت الكبش المعروف بالحوض المرصود فأمر بإحضاره فأرسلوا إليه الرجال والحمالين وأرادوا رفعه من مكانه فازدحمت عليه الناس من الرجال والنساء لما تسامعوا بذلك لينظروا ما شاع. وثبت في أذهانهم من أن تحته كنزًا وهو مرصود على شيء من العجائب أو نحو ذلك وأن الباشا يريد الكشف عن أمره فلما حصل ذلك الازدحام ووجده الحمالون ثقيلًا جدًا وهم لا يعرفون صناعة جر الأثقال وحركوه عن مكانه يسيرًا وبلغ الباشا ما حصل من ازدحام العامة أمر بتركه فتركوه ومضوا فذهب العامة في أماذيبهم كل مذهب فمنهم من يقول إنهم لما حركوه وأرادوا جره رجع بنفسه ثانيًا ومنهم من يقول غير ذلك من السخافات. وفي يوم الثلاثاء سادس عشره وصل نيف وثلاثون رأسًا من قتلى القبليين فألقوهم عند باب القلعة بالرميلة على سرير من جريد النخل وأبقوهم ثلاثة أيام ثم دفنوهم ووجد فيهم رأس عزوز كتخدا عزبان. وفي ذلك اليوم أمر الباشا بشنق رجلين من الغيطانية تشاجرا مع طائفة من العسكر وضرباهم وأخذا سلاحهم ورفعت الشكوى الى الباشا فأمر بشنق الغيطانية ظلمًا على الشجرة التي عند القنطرة فيما بين طريق مصر القديمة وطريق الناصرية. وفي يوم الاثنين ثاني عشرينه نظر أصحاب الدرك عدة هجانة مرت من ناحية الجبل معهم أمتعة وثياب مرسلة الى القبالي من نسائهم فركبوا خلفهم فلم يدركوهم وأشاعوا أنهم قبضوا عليهم من غير أصل ووصل خبرهم حسن باشا فاغتاظ من الآغا والوالي وأمرهما بالذهاب الى بيوتهم ويسمرونها عليهن ففعلوا ذلك وقبضوا على الأغوات الطواشية والسقائين. وحصلت ضجة في البلد بين الظهر والعصر بسبب ذلك وفرت زوجة ابراهيم بك الى بيت شيخ السادات ثم إن رضوان بك قرابة علي بك تشفع في تسمير البيوت فقبلت شفاعته وأرسل لمعادي الخبيري والجيزة ومنعهم من التعدية وحجزهم الى البر الشرقي. وفي يوم الثلاثاء وردت نجابة وعلى أيديهم مكاتبات من عابدي باشا يخبر فيها بأن يحيى بك وحسن كتخدا الجربان حضرا إليه بأمان وخلع عليهم فراوي وصحبتهم عدة من الكشاف والمماليك وذلك بعد أن وصلوا الى أسنا وأن القبالي ذهبوا الى ناحية ابريم فتخلف عنهم المذكورون. وفي يوم الخميس سادس عشرينه حضر اسمعيل القبطان وكان بصحبته حمامجي أوغلي وأخبر أن العسكر العثمانية ملكوا أسوان وأن الأمراء القبالي ذهبوا الى ابريم وأنهم في أسوأ حال من العري والجوع وغالب مماليكهم لابسون الزعابيط مثل الفلاحين وتخلف عنهم كثير من أتباعهم فمنهم من حضر الى عابدي باشا بأمان ومنهم من تشتت في البلاد ومنهم من قتله الفلاحون وغير ذلك من المبالغات. وفي يوم الاثنين خلع حسن باشا علي رضوان بك العلوي وقلده كشوفية الغربية وقلد علي بك الملط كشوفية المنوفية وقرر لهما على كل بلد أربعة آلاف نصف فضة ونزلا الى طندتا لأجل خفارة مولد السيد أحمد البدوي. وفي هذا الشهر عمت البلوى بموت الأبقار والثيران في سائر الأقاليم البحري ووصل الى مصر حتى أنها صارت تتساقط في الطرقات وغيطان المرعى وجافت الأرض منها فمنها ما يدركونه بالذبح ومنها ما يموت ورخص سعر اللحم البقري جدًا لكثرته حتى صار يباع بمصر آخر النهار كل رطلين بنصف فضة مع كونه سمينًا غير هزيل وعافته الناس وبعضهم كان يخاف من أكله وأما الأرياف فكان يباع فيها بالأحمال وبيت البقرة بما خلفها بدينار. وكثر عويل الفلاحين وبكاؤهم على البهائم وعرفوا بموتها قدر نعمتها وغلا سعر السمن واللبن والأجبان بسبب ذلك لقلتها.
|